وكالة مهر للأنباء- سهام بنت عزوز: حملت زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب للسعودية مشاريع وخطط جديدة للمنطقة تحمل بين طياتها فتنة جديدة تزيد من النزاعات والاقتتال، استقبلت السعودية ترامب استقبال الفاتحين يعكس ائتلافات جديدة في المنطقة، قرأت الباحثة التونسية في الشؤون السياسية سهام محمد عزوز هذه الزيارة في مقالة لوكالة مهر للأنباء، جاءت كالتالي:
مثل خطاب دونالد ترامب لقادة العالم الإسلامي في القمة العربية –الاسلامية-الامريكية التي انعقدت بتاريخ 21 ايار مايو 2017 في الرياض بحضور قادة اكثر من خمسين دولة... تغييراً جذرياً في السياسة العسكرية للولايات المتحدة. فلم تعد الجمهورية العربية السورية اعتباراً من الآن، العدو، بل "الجهاد"، أي بمعنى اخر ذلك الجهاد الذي استعملته بريطانيا و لا تزال كما السعودية و تركيا كأداة استراتيجية لتغيير الخرائط و اسقاط الانظمة.
كان ترامب قد أعلن أثناء حملته الانتخابية رفضه الإطاحة بالأنظمة، ورغبته، في نفس الوقت، بوضع حد للإرهاب الإسلامي. لكن خصومه مافتئوا يحاولون منذ انتخابه، أن يفرضوا عليه مواصلة سياستهم: اولها الاعتماد على الإخوان المسلمين لقلب نظام الجمهورية العربية السورية، وقد استخدموا كل الوسائل لتدمير الفريق الذي كونه المرشح ترامب، وخصوصاً حين نجحوا في التحريض على استقالة مستشاره للأمن القومي، الجنرال مايكل فلاين. هذا الرجل الذي عارض في عام 2012 مشروع باراك أوباما لإنشاء داعش، ولم يكف يوماً عن الإشارة إلى أن الإخوان المسلمين هم رحم الإرهاب الإسلامي.
في الواقع، ترامب لم يذهب للرياض فاتحا النار على الاسلام و انما ذهب لعقد صفقات و تحقيق مصالح معلناً مقابل ذلك دعمه للمشروع السعودي في المنطقة بدءاً من فتح جبهات قتال ضد حركات المقاومة في المنطقة كحزب الله اللبناني وحركة حماس وحركة الجهاد المدعومة من ايران وصولا الي التحضير الفعلي لحرب قادمة سيكون مسرحها جنوب سوريا و تمتد الي لبنان لضرب كل انتماء مباشر او غير مباشر مع الجمهورية الاسلامية.
لم تكن القمة واضحة المعالم بالنسبة لمعظم المشاركين فيها فهم دول لهم مصالح مع امريكا و لكن في نفس الوقت تربطهم علاقات ممتازة و قديمة مع الجمهورية الاسلامية في ايران و ان يوقعوا على بيان ختامي يحمل في طياته ادانة واضحة للجمهورية الاسلامية الايرانية بالتدخل في شؤون الدول الداخلية و الارهاب و دعم الحركات الارهابية ( أي حركات المقاومة التي دأبت السعودية منذ مؤتمر القمة العربية في البحر الميت على وصفها الصريح و تصنيفها بالحركات الارهابية التي لا تقل خطورة عن داعش و جبهة النصرة و غيرها ....من الحركات المتطرفة). فهذا امر غير مقبول و غير منطقي ...لهذه الاسباب وزع البيان الختامي بعد مغادرة معظم الوفود لمؤتمر الرياض .
كان المطلوب من هذه القمة صورة جماعية تضم اكثر من خمسين دولة مشاركة بمعظم قادتها تعلن جميعها ان ايران هي العدو وأن لا عدو للعرب و المسلمين غيرها ....هي بروباغندا عملت عليها وسائل الاعلام خاصة الخليجية لتثبت للعالم صحة ادعائها و افتراءها.
هذه القمة شكلت مظلّة لبداية حرب في جنوب سوريا يحضر لها منذ مدة، حرب ستمتد الي جنوب لبنان، اهدافها واضحة، ضرب كل جبهات المقاومة المرتبطة بالجمهورية الاسلامية في ايران و قطع الصلة بينها...تحجيم دور الجمهورية الاسلامية في المنطقة بافتعال التهم و القضايا و تقليص نفوذها و ابعاد خطرها على اسرائيل و مصالح الدول الشريكة و ا لمتعاونة و المستفيدة من التقارب مع اسرائيل .
هذه القمة أعطت الضوء الاخضر للسعودية و حلفائها المعتمدين للتحضير لمعركة او حرب او ضربات ...اهدافها واضحة لكن نتائجها و- بالرغم من كل التأكيدات الامريكية على المساندة و الدعم- إلا انها غير مضمونة.
ما حصل في هذه القمة صوّر الجمهورية الاسلامية الايرانية "كشيطان" و "راس الارهاب" و صنف حركات المقاومة في فلسطين و لبنان و التي لا تزال تشكل خطرا وجوديا على اسرائيل بالحركات "الارهابية، الاخطر هنا انّ البيان الختامي سوّى بين المقاومة و "الارهاب" وضع حركات المقاومة ضد الاحتلال في مرتبة داعش المصنفة دوليا على انها حركة ارهابية معادية للشعوب و الدول، داعش التي تحمل فكراً تكفيرياً معادياً لكل الانسانية و لا تسال عن ارض فلسطين المحتلة.
الملاحظ ان كلّ ما يشكّل خطر على الامن الاستراتيجي الاسرائيلي اصبح مستهدف من العرب و المسلمين قبل غيرهم الذين نسوا القضية الفلسطينية و حقوق الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق مصالح مع اسرائيل و لو كانت على حساب شعوبهم ايضا. يشترك هؤلاء اليوم مع اسرائيل في عداء الجمهورية الاسلامية في ايران و مواجهتها. و اصبح واضحا انهم يخططون لذلك و منذ فترة و قد سبق و اعلنوا عن تلك الخطة في مؤتمر القمة العربية الاخير التي انعقدت في البحر الميت.
ما يمكننا قوله هنا اننا للاسف بتنا في اخطر مرحلة استراتيجية على الاطلاق، فلقد تحولت الولايات المتحدة الامريكية الي شريك في مكافحة الارهاب، أمريكا التي امتلأ تاريخها المعاصر بالقتل و التنكيل و تخريب الدول و تشريد الشعوب، امريكا التي قتلت اكثر من مليون و نصف عراقي و احتلت افغانستان ثم سلمتها لطالبان و القاعدة و هي اليوم تدمر سوريا. هذه الدولة أصبحت اليوم رأس الحربة في مكافحة الارهاب و أي ارهاب "ارهاب" الدولة التي لا تزال تحمل راية الدفاع عن قضية فلسطين و شعبها انها الجمهورية الاسلامية في ايران.
اكد ترامب بعد توجهه الي اسرائيل و وقوفه على حائط المبكى ان اسرائيل دولة ديمقراطية و نحن معها الي اخر التاريخ، فأي ضمانات كسبها العرب حتي يقبلوا اسرائيل شريكا في المنطقة.
نحن ندرك جيدا انّ امريكا لن تحارب ايران بشكل مباشر بل عن طريق وكلائها و عملائها في المنطقة و هي ستعمل على خلق ارباكات و توترات داخلية في ايران علها بذلك تنجح في كف سلطة ايران و نفوذها في المنطقة بإعلان ا لحرب مباشرة على حلفائها و محاولة القضاء عليهم.
هذه القمة لم تكن سوى اعلان صريح على بدء المواجهة مع الجمهورية الاسلامية و عليه بدأت المواجهة بتهديد الاردن بالتدخل المباشر في سوريا من جهة الجنوب و تحديدا درعا تحت ذريعة تواجد قوات ايرانية و اخرى لحزب الله في المنطقة مما يشكل تهديدا لأمن الاردن و سلامة اراضيها كما تدّعي، اضافة الي الاقتحامات الدامية التي بدأت بتنفيذها السلطات البحرينية لمنطقة الدراز و تحديدا لبيت اية الله الشيخ عيسى قاسم مع ما يحصل من تطورات خطيرة في المنطقة الشرقية في السعوديةو ما يحظّر للبنان و خاصة لجبهة المقاومة و كل هذا بذريعة التدخل الايراني في شؤون هذه الدول و غيرها..
في النهاية لابد من توقع جلوس الولايات ا لمتحدة الامريكية مع الجمهورية الاسلامية في ايران على طاولة المفاوضات لإيجاد حلول تكفل ايقاف التوتر لأنه باختصار شديد هؤلاء اقوياء و هم مدركون تماما لقدرات الجمهورية الاسلامية في ايران و قوتها و نحن تعلمنا في منطق التعامل الاستراتيجي ان القوي لا يفاوض الا القوي، و لا ننسى انه بالرغم من الخطابات الامريكية المعادية لايران اليوم الا انّ ترامب لم يوقف صفقة طائرات البوينغ المقرر ان تشتريها ايران تطبيقا لبنود الاتفاق النووي الموقع كما انّ الادارة الامريكية مازالت حريصة على تطبيق بنود الاتفاق رغم بعض العراقيل و المناورات السياسية التي تحصل من حين لأخر.
لذلك نقول انّ المشكلة التي يواجهها ترامب ليست في بقاء الجمهورية العربية السورية على قيد الحياة من عدمها، إنما في الخسارة التي يمكن أن تمثلها نهاية الإستراتيجية القائمة على الإرهاب لبعض حلفاء واشنطن. هذا أمر بات معروفاً في كل المؤتمرات الدولية، فجميع الدول التي تعارض علناً الإرهاب الإسلامي، البعض منها ينظمه سراً منذ 66 عاما.
و اعتقد ان هذا الامر ينطبق أولاً على المملكة المتحدة، التي أنشأت في عام 1951 جماعة الإخوان المسلمين، على أنقاض منظمة كانت تحمل نفس الاسم، جرى حلها قبل عامين من ذلك التاريخ، وجميع قادتها كانوا في السجون. و ينطبق ثانياً على السعودية، التي، بناء على طلب من واشنطن ولندن، أنشأت رابطة العالم الإسلامي، لدعم كل من الإخوان المسلمين، والجماعة النقشبندية هذه الرابطة التي تتجاوز ميزانيتها السنوية ميزانية وزارة الدفاع السعودية، هي التي تمد بالمال و السلاح، النظام الجهادي في جميع أنحاء العالم.وينطبق ثالثاً على تركيا، التي تتولى قيادة العمليات العسكرية لهذه المنظومة في الوقت الحالي.
هذه الامور لم تعد مخفية و لا مبهمة و لهذا كل ما اعلن في بيان الرياض شكل بحق احراجا للعديد من الدول لانها تعلم تماما ان كل ما قيل هو وهم لا غير، من خلال تكريس خطابه من الرياض، لرفع الغموض حول علاقته بالإسلام، والتأكيد على رغبته في القضاء على أداة الاستخبارات الأنغلوسكسونية أي الارهاب ، تمكن ترامب من فرض إرادته على قادة الخمسين دولة، الذين تجمعوا للاستماع إليه. ولتجنب أي سوء فهم، أوضح وزير الدفاع، جيمس ماتيس، قبل يومين من ذلك اللقاء، أبعاد إستراتيجيته العسكرية القائمة على: تطويق الجماعات الجهادية تمهيداً لإبادتهم، من دون ترك أي فرصة لهم للنجاة بأرواحهم
من غير المعروف حتى الآن كيف سيكون رد فعل لندن. أما ما يتعلق بالسعودية، فقد حرص ترامب على تبرئة سلالة سعود من كل جرائمهم السابقة، حين لم يتهم المملكة العربية السعودية، بل وجه اتهامه الصريح لإيران التي أصبحت كبش فداء. هذا هراء بكل تأكيد، لأن جماعة الإخوان المسلمين والنقشبندية هم من السنة، و لا علاقة لايران بخططهم و توجهاتهم المختلفة تماما عن قناعاتها.
مهما كانت التهم التي وجهها لإيران في خطابه من الرياض، فطهران تدرك تماماً ما يمكن توقعه فعلى مدى ستة عشر عاماً الماضية، دأبت واشنطن– التي لم تكف يوماً عن الصاق التهم بايران- على تدمير جميع أعداء إيران الواحد تلو الآخر، بدءاً من حركة طالبان، فصدام حسين وقريباً داعش ما هو على المحك اليوم، هو كيف سيكون وجه المعركة القادمة التي لا نراها بعيدة بعد ان تمكنت السعودية من اخذ الضوء الاخضر لبدء التنسيق مع اسرائيل. /انتهى/
تعليقك